فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وإلى مَدِين أخاهم شعيبًا قال يا قوم اعبُدوا الله ما لكم من إله غيره} ومدين هم قوم شعيب، وفي تسميتهم بذلك قولان:
أحدهما: لأنهم بنو مدين بن إبراهيم، فقيل مدين والمراد بنو مدين، كما يقال مضر والمراد بنو مضر.
الثاني: أن مدين اسم مدينتهم فنسبوا إليها ثم اقتصر على اسم المدينة تخفيفًا.
ثم فيه وجهان:
أحدهما: أنه اسم أعجمي.
الثاني: أنه اسم عربي وفي اشتقاقه وجهان:
أحدهما: أنه من قولهم مدن بالمكان إذا أقام فيه، والياء زائدة، وهذا قول من زعم أنه اسم مدينة.
الثاني: أنه مشتق من قولهم دَيَنْت أي ملكت والميم زائدمة، وهذا قول من زعم أنه اسم رجل. وأما شعيب فتصغير شعب وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه الطريق في الجبل.
الثاني: أنه القبيلة العظيمة.
الثالث: أنه مأخوذ من شَعْب الإناء المكسور.
{ولا تنقصوا المكيال والميزان} كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف فأمروا بالإيمان إقلاعًا عن الشرك، وبالوفاء نهيًا عن التطفيف.
{إني أراكم بخير} فيه تأويلان:
أحدهما: أنه رخص السعر، قاله ابن عباس والحسن. الثاني: أنه المال وزينة الدنيا، قال قتادة وابن زيد. ويحتمل تأويلًا ثالثًا: أنه الخصب والكسب.
{إني أخافُ عليكم عذاب يومٍ محيط} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: غلاء السعر، وهو مقتضى قول ابن عباس والحسن. الثاني: عذاب الاستصال في الدنيا.
الثالث: عذاب النار بالآخرة.
قوله عز وجل: {بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين}
فيها ستة أقاويل:
أحدها: يعني طاعة الله تعالى خير لكم، قاله مجاهد.
الثاني: وصية من الله، قاله الربيع.
الثالث: رحمة الله، قاله ابن زيد.
الرابع: حظكم من ربكم خير لكم، قاله قتادة.
الخامس: رزق الله خير لكم، قاله ابن عباس.
السادس: ما أبقاه الله لكم بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان خير لكم، قاله ابن جرير الطبري.
{وما أنا عليكم بحفيظ}
يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: حفيظ من عذاب الله تعالى أن ينالكم.
الثاني: حفيظ لنعم الله تعالى أن تزول عنكم.
الثالث: حفيظ من البخس والتطفيف إن لم تطيعوا فيه ربكم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}
التقدير: {وإلى مدين} أرسلنا: {أخاهم شعيبًا}، واختلف في لفظة: {مدين} فقيل: هي بقعة، فالتقدير على هذا: وإلى أهل مدين- كما قال: {واسأل القرية} [يونس: 42]- وقيل كان هذا القطر في ناحية الشام، وقيل: {مدين} اسم رجل كانت القبيلة من ولده فسميت باسمه، و: {مدين} لا ينصرف في الوجهين، حكى النقاش أن: {مدين} هو ولد إبراهيم الخليل لصلبه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا بعيد وقد قيل: إن: {شعيبًا} عربي، فكيف يجتمع هذا وليس للعرب اتصال بإبراهيم إلا من جهة إسماعيل فقط، ودعاء شعيب إلى عبادة الله يقتضي أنهم كانوا يعبدون الأوثان، وذلك بين من قولهم فيما بعد، وكفرهم هو الذي استوجبوا به العذاب لا معاصيهم، فإن الله لم يعذب قط أمة إلا بالكفر، فإن انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة، وأعني بالعذاب عذاب الاستئصال العام، وكانت معصية هذه الأمة الشنيعة أنهم كانوا تواطأوا أن يأخذوا ممن يرد عليهم من غيرهم وافيًا ويعطوا ناقصًا في وزنهم وكيلهم، فنهاهم شعيب بوحي الله تعالى عن ذلك، ويظهر من كتاب الزجاج أنهم كانوا تراضوا بينهم بأن يبخس بعضهم بعضًا.
وقوله: {بخير} قال ابن عباس: معناه في رخص من الأسعار، وعذاب اليوم المحيط هو حلول الغلاء المهلك. وينظر هذا التأويل إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نقص قوم المكيال والميزان إلا ارتفع عنهم الرزق». وقيل لهم قوله: {بخير} عام في جميع نعم الله تعالى، و: {عذاب اليوم} هو الهلاك الذي حل بهم في آخر، وجميع ما قيل في لفظ خير منحصر فيما قلناه.
ووصف اليوم بالإحاطة وهي من صفة العذاب على جهة التجوز إذ كان العذاب في اليوم: وقد يصح أن يوصف اليوم بالإحاطة على تقدير: محيط شره. ونحو هذا.
وكرر عليهم الوصية في الكيل والوزن تأكيدًا وبيانًا وعظة لأن: {لا تنقصوا} هو: {أوفوا} بعينه. لكنهما منحيان إلى معنى واحد.
قال القاضي أبو محمد: وحدثني أبي رضي الله عنه، أنه سمع أبا الفضل بن الجوهري على المنبر بمصر يعظ الناس في الكيل والوزن فقال: اعتبروا في أن الإنسان إذا رفع يده بالميزان فامتدت أصابعه الثلاث والتقى الإبهام والسبابة على ناصية الميزان جاء من شكل أصابعه صورة المكتوبة فكأن الميزان يقول: الله الله.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وعظ مليح مذكر. و: {القسط} العدل ونحوه، والبخس النقصان، و: {تعثوا} معناه: تسعون في فساد، وكرر: {مفسدين} على جهة التأكيد، يقال عثا يعثو أو عثى يعثي، وعث يعث، وعاث يعيث- إذا أفسد ونحوه من المعنى، العثة: الدودة التي تفسد ثياب الصوف.
وقوله: {بقيت الله} قال ابن عباس معناه الذي يبقي الله لكم من أموالكم بعد توفيتكم الكيل والوزن حير لكم مما تستكثرون أنتم به على غير وجهه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تفسير يليق بلفظ الآية وقال مجاهد: معناه طاعة الله، وقال ابن عباس- أيضًا- معناه رزق الله، وهذا كله لا يعطيه لفظ الآية، وإنما المعنى عندي- إبقاء الله عليكم إن أطعتم. وقرأ إسماعيل بن جعفر عن أهل المدينة بتخفيف الياء وهي لغة.
وقوله: {إن كنتم مؤمنين} شرط في أن تكون البقية خيرًا لهم، وأما مع الكفر فلا خير لهم في شيء من الأعمال، وجواب هذا الشرط، متقدم، والحفيظ المراقب الذي يحفظ أحوال من يرقب، والمعنى: إنما أنا مبلغ والحفيظ المحاسب هو الذي يجازيكم بالأعمال. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} أي وأرسلنا إلى مدين، ومدين هم قوم شعيب.
وفي تسميتهم بذلك قولان: أحدهما أنهم بنو مدين بن إبراهيم؛ فقيل: مدين والمراد بنو مدين.
كما يقال مُضَر والمراد بنو مُضَر.
الثاني أنه اسم مدينتهم، فنسبوا إليها.
قال النحاس: لا ينصرف مدين لأنه اسم مدينة؛ وقد تقدّم في الأعراف هذا المعنى وزيادة: {قَالَ يا قوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} تقدّم.
{وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان} كانوا مع كفرهم أهل بخس وتطفيف؛ كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد، واستوفوا بغاية ما يَقدِرون عليه وظلموا؛ وإن جاءهم مشتَرٍ للطعام باعوه بكيل ناقص، وشحّحوا له بغاية ما يقدِرون؛ فأمروا بالإيمان إقلاعًا عن الشرك، وبالوفاء نهيًا عن التطفيف.
{إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} أي في سَعة من الرزق، وكثرة من النِّعم.
وقال الحسن: كان سعرهم رخيصًا.
{وإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} وصف اليوم بالإحاطة، وأراد وصف ذلك اليوم بالإحاطة بهم؛ فإن يوم العذاب إذا أحاط بهم فقد أحاط العذاب بهم، وهو كقولك: يوم شديد؛ أي شديد حرّه.
واختلف في ذلك العذاب؛ فقيل: هو عذاب النار في الآخرة.
وقيل: عذاب الاستئصال في الدنيا.
وقيل: غلاء السعر؛ روي معناه عن ابن عباس.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أظهر قوم البخس في المكيال والميزان إلا ابتلاهم الله بالقحط والغلاء». وقد تقدّم. قوله تعالى: {ويا قوم أَوْفُواْ المكيال والميزان بالقسط} أمر بالإيفاء بعد أن نهى عن التطفيف تأكيدًا. والإيفاء الإتمام.
{بالقسطِ} أي بالعدل والحق، والمقصود أن يصل كل ذي نصيب إلى نصيبه؛ وليس يريد إيفاء المكيل والموزون لأنه لم يقل: أوفوا بالمكيال وبالميزان؛ بل أراد ألا تنقصوا حجم المكيال عن المعهود، وكذا الصنجات.
{وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ} أي لا تنقصوهم مما استحقوه شيئًا.
{وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ} بيّن أن الخيانة في المكيال والميزان مبالغة في الفساد في الأرض، وقد مضى في الأعراف زيادة لهذا، والحمد لله.
قوله تعالى: {بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَّكُمْ} أي ما يبقيه الله لكم بعد إيفاء الحقوق بالقسط أكثر بركة، وأحمد عاقبة مما تبقونه أنتم لأنفسكم من فضل التطفيف بالتجبّر والظلم؛ قال معناه الطبريّ وغيره.
وقال مجاهد: {بَقِيَّةُ الله خَيْرٌ لَّكُمْ} يريد طاعته.
وقال الرّبيع: وصية الله.
وقال الفرّاء: مراقبة الله.
ابن زيد: رحمة الله.
قتادة والحسن: حظكم من ربكم خير لكم.
وقال ابن عباس: رزق الله خير لكم.
{إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} شرط هذا لأنهم إنما يعرفون صحة هذا إن كانوا مؤمنين.
وقيل: يحتمل أنهم كانوا يعترفون بأن الله خالقهم فخاطبهم بهذا.
{وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} أي رقيب أرقبكم عند كيلكم ووزنكم؛ أي لا يمكنني شهود كل معاملة تصدر منكم حتى أؤاخذكم بإيفاء الحق.
وقيل: أي لا يتهيأ لي أن أحفظكم من إزالة نعم الله عليكم بمعاصيكم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وإلى مدين} يعني وأرسلنا إلى مدين: {أخاهم شعيبًا} مدين اسم لابن إبراهيم الخليل عليه السلام ثم صار إسمًا للقبيلة من أولاده وقيل هو اسم مدينة بناها مدين بن إبراهيم فعلى هذا يكون التقدير وأرسلنا إلى أهل مدين فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه: {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} يعني وحِّدوا الله ولا تعبدوا معه غيره كانت عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يبدؤون بالأهم فالأهم ولما كانت الدعوة إلى توحيد الله وعبادته أهم الأشياء قال شعيب إعبدوا الله ما لكم من إله غيره ثم بعد الدعوة إلى التوحيد شرع فيما هم فيه ولما كان المعتاد من أهل مدين البخس في الكيل والوزن دعاهم إلى ترك هذه العادة القبيحة وهي تطفيف الكيل والوزن فقال: {ولا تنقصوا المكيال والميزان} النقص في الكيل والوزن على وجهين أحدهما: أن يكون الاستنقاص من قبلهم فيكيلون ويزنون للغير ناقصًا، والوجه الآخر: هو استيفاء الكيل والوزن لأنفسهم زائدًا عن حقهم فيكون نقصًا في مال الغير وكلا الوجهين مذموم فلهذا نهاهم شعيب عن ذلك بقوله ولا تنقصوا المكيال والميزان: {إني أراكم بخير} قال ابن عباس: كانوا موسرين في نعمة وقال مجاهد: كانوا في خصب وسعة فحذرهم زوال تلك النعمة وغلاء السعر وحصول النقمة إن لم يتوبوا ولم يؤمنوا وهو قوله: {وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط} يعني: يحيط بكم فيهلككم جميعًا وهو عذاب الاستئصال في الدنيا أو حذرهم عذاب الآخرة ومنه قوله سبحانه وتعالى: {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين}، {ويا قوم أوفوا المكيال والميزان} أي أتموهما ولا تطففوا فيهما: {بالقسط} أي بالعدل، وقيل: بتقويم لسان الميزان وتعديل المكيال: {ولا تبخسوا الناس} أي: ولا تنقصوا الناس: {أشياءهم} يعني أموالهم فإن قلت قد وقع التكرار في هذه القصة من ثلاثة أوجه لأنه قال: {ولا تنقصوا المكيال والميزان}، ثم قال: {أوفوا المكيال والميزان} وهذا عين الأول ثم قال: {ولا تبسخوا الناس أشياءهم} وهذا عين ما تقدم فما الفائدة في هذا التكرار.
قلت: إن القوم لما كانوا مصرين على ذلك العمل القبيح وهو تطفيف الكيل والوزن ومنع الناس حقوقهم احتيج في المنع إلى المبالغة في التأكيد والتكرير يفيد شدة الاهتمام والعناية بالتأكيد فلهذا كرر ذلك ليقوي الزجر والمنع من ذلك الفعل لأن قوله ولا تنقصوا المكيال والميزان نهى عن التنقيص وقوله: {أوفوا المكيال والميزان} أمر بإيفاء العدل وهذا غير الأول ومغاير له ولقائل أن يقول النهي ضد الأمر فالتكرار لازم على هذا الوجه قلنا الجواب عن هذا قد يجوز أن ينهى عن التنقيص ولا يأمر بإيفاء الكيل والوزن فلهذا جمع بينهما فهو كقولك صل رحمك ولا تقطعها فتريد المبالغة في الأمر والنهي وأما قوله ثانيًا: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} فليس بتكرير أيضًا لأنه سبحانه وتعالى لما خصص النهي عن التنقيص والأمر بإيفاء الحق في الكيل والوزن عمم الحكم في جميع الأشياء التي يجب إيفاء الحق فيها فيدخل فيه الكيل والوزن وغير ذلك فظهر بهذا البيان فائدة التكرار والله أعلم؟ وقوله سبحانه وتعالى: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} يعني بتنقيص الكيل والوزن ومنع الناس حقوقهم.
{بقيت الله خير لكم} قال ابن عباس يعني ما أبقى الله لكم من الحلال بعد إيفاء الكيل والوزن خير لكم مما تأخذونه بالتطفيف وقال مجاهد بقية الله يعني طاعة الله خير لكم وقيل {بقية الله} يعني ما أبقاه لكم من الثواب في الآخرة خير لكم مما يحصل لكم في الدنيا من المال الحرام: {إن كنتم مؤمنين} يعني مصدقين بما قلت لكم وأمرتكم به ونهيتكم عنه: {وما أنا عليكم بحفيظ} يعني أحفظ أعمالكم قال بعضهم إنما قال لهم شعيب ذلك لأنه لم يؤمر بقتالهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}
كان قوم شعيب عبدة أوثان، فدعاهم إلى عبادة الله وحده.
وبالكفر استوجبوا العذاب، ولم يعذب الله أمة عذاب استئصال إلا بالكفر، وإن انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة.
قال ابن عباس: بخير أي: في رخص الأسعار وعذاب اليوم المحيط، هو حلول الغلاء المهلك.
وينظر هذا التأويل إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما نقص قوم المكيال والميزان إلا ارتفع عنهم الرزق». ونبه بقوله بخير على العلة المقتضية للوفاء لا للنقص.
وقال غيره: بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف، أو بنعمة من الله حقها أن تقابل بغير ما تفعلون، أو أراكم بخير فلا تزيلوه عنكم بما أنتم عليه.
يوم محيط أي: مهلك من قوله: {وأحيط بثمره} وأصله من إحاطة العدو، وهو العذاب الذي حل بهم في آخره.